الأربعاء، 4 أغسطس 2021

بولات جان : الطريق إلى شنكال

 الطريق إلى شنكال- 1


بولات جان





تجربة الكتابة


في شهر آب من عام 2014 عاش الشعب الكردي مأساة تاريخية لا تنسى و جريمة انسانية بحق مئات الآلاف من أبناء الشعب الكردي الأيزيدي في قضاء شنغال بجنوبي كردستان. على الرغم من مرور عام كامل على المأساة و الحادثة الإليمة فما زالت آثارها الكارثية و ارتداد زلزال شنغال ماثلاً بكل وحشيته و تراجيديته في الذاكرة الجمعية للشعب الكردي عموماً و الكرد الأيزيديين على وجه الخصوص.


البعض حاول المستحيل و منذ اليوم الأول من المأساة أو الجريمة أو سموها ما تشاؤون يحاولون الالتفاف على القضية و خلق التشويش على مجريات القصة و مسحها من الذاكرة و حذفها من البصر.


مرت سنة كاملة و البعض يحاول التحدث عن (بطولاته الاسطورية) في شنكال و دفن الحقيقة بكل السبل و الوسائل.


مرت سنة كاملة و البعض يحاول ايهام الرأي العام العالمي و الكردي و الأيزيدي بحقائق كاذبة و تزوير حقائق صارخة.


مرت سنة و مدينة شنكال لا تزال محتلة بشكل شبه كامل و كذلك السهول الجنوبية للقضاء.


مرت سنة و لا يزال الشعب الجريح مشتتاً منهوكاً ضائعاً بين خيام النزوح و طرق الهجرة و المنفى.


مرت سنة و لا تزال غزلان جبال شنكال الأصيلات سبايا لدى كلاب العصر و صعاليك الصحراء القذرين يتاجرون باعراض الكرد في اسواق النخاسة.


مرت سنة كاملة و لم تتمكن مأساة- مقاومة شنكال الأليمة و من بعدها مأساة- مقاومة كوباني التاريخيتين من توحيد الفرقاء الكرد على كلمة واحدة.


مرت سنة كاملة و لم يُحاسب أي مسؤول عن كل ما حدث للشعب الكردي الأيزيدي في شنكال.


مرت سنة كاملة و لم يخرج أحدهم بكل جرأة أمام الشعب و يقدم شرحاً واضحاً و حقيقياً لكل ما حدث و لم يعتذر عن ما حدث.


مرت سنة كاملة و البعض يحاول بكل ما اوتي من قدرة على تشويه سمعة من تدخل و حمى و حافظ على بقايا ما تبقى من أرض و شعب شنكال.


مرت سنة كاملة و تغيرت القصص بحسب أهواء البعض و تغير أبطال القصص و تغيرت الصور و التصريحات و الروايات.


هكذا إذاً تتغير أحداث التاريخ مع تغير الأهواء و أصحاب الأهواء و قوة أصحاب الأهواء و مدى قدرتهم على الدفع و حشو المال في جيوب (الكتُاب و الصحافيين و شهدة الأعيان العميان). فلا يصل إلينا الحقيقة المطلقة، بل حقائق مشتتة و متفاوتة و متناقضة في الكثير من الفصول و الأحداث و الشخوص.


طالما أنت ساكت عن الحق فإن الباطل سيسرد قصتك. و طالما أنت هاجرٌ لقلمك فإن غيرك سيحمله عنك و يكتبك كما يحلو له.


نعرف جيداً بأن صراخ الباطل مرتفع جداً فوق الحق و ضجيجه أعلى و قدرته على جذب الأضواء و اعتلاء منصات الخِطاب أمام عشرات الميكرفونات و العدسات و الأعين الضبابية.


لذا لنكتب. لنكتب يومنا لكي يكون تاريخ غدنا. و إن لم نكتب كلمة فإن حقيقتنا سوف تذوب في بحر الأكاذيب و القصص المحبكة.


ماذا حدث لشنغال؟ ماذا حدث للايزيديين؟ ماذا حدث للقوات الموجودة؟ ماذا حدث في الايام الأولى من شهر آب عام 2014؟


الطريق إلى شنغال-2

بعض السرديات السريعة

قبل و بعد سقوط الموصل

في 9 من شهر حزيران سنة 2014 سيطر إرهابيو داعش و مقاتلو النقشبندية و ما سُمي حينها بجيش ثوار العشائر على مدينة الموصل و هرب أو انسحب أو انهزم عشرات الآلاف من الجيش و الشرطة العراقية من مناطق شاسعة من محافظة نينوى و الحدود مع سوريا و الحدود مع إقليم جنوب كردستان و خاصة مناطق المادة 140 المتنازع عليها.

السقوط كان مفاجئ و لكنه كان مدروساً و محسوباً جيداً و كانت مؤشرات ذلك كثيرة و لكن ما لم يخمنه الكثيرون هو هذا الانهيار السريع لكامل المنظومة الدفاعية و العسكرية و الإدارية للحكومة العراقية بهذه السرعة (المخزية).

تحذيراتنا التي سبقت السقوط

نحنُ كنا قبل السقوط بشهور عدة في حربٍ ضروس مع المنظمات الإرهابية في غربي كردستان و خاصة جبهة النصرة و أحرار الشام و داعش. الكل كان يكتفي الوقوف متفرجاً على هذه الحرب. ربما الكل كان يظن بأن هذه الهجمات الإرهابية ضد الشعب الكردي في غربي كردستان سوف تبقى منحصرة ضمن هذا الإطار و حبيسة الحدود و الأهداف.

في العديد من لقاءاتنا مع الكثير من الدول الغربية و كذلك جهات من حكومتي الإقليم و بغداد كنا نحذرهم بأن داعش لن تبقى ضمن إطارها الحالي في الحرب ضدنا بل الخطر سوف يلحق بكم جميعاً إذا لم تتدخلوا. قلناها مراراً و تكراراً بأن هذه النار التي تشعلها داعش في غربي كردستان سوف تتخطى الحدود و تصل إلى أبعد مكان.

الكل كان يعتقد بأنهم في مأمن من حرب داعش العمياء و كأنهم كانوا واثقين بأن العدو و الهدف الأوحد لداعش هو الشعب الكردي في غربي كردستان و بالتحديد وحدات حماية الشعب. كانوا ينسون أو يتناسون عن حقيقة هذه المنظمة الإرهابية التوسعية(الامبريالية).

الكل كان يعتقد بأن داعش ليست سوى محرقة لكل المتطرفين و بأن سوريا عموماً و غربي كردستان خصوصاً هي مكب لنفاياتهم الإرهابية و ساحة لكي يتخلصوا من كل متطرفي بلادهم. كنا نقول لهم بأننا ننظف زبالتكم التي ترسلونها أو تتغاضون عن ارسالها أو تفرحون للتخلص منها بتوجههم إلى سوريا و منها التوجه الى حدود غربي كردستان للموت هناك.

في الأيام الأولى من شهر حزيران حشدت داعش للكثير من قواتها و كثفت من تحركاتها المريبة بالقرب من الحدود العراقية- السورية و خاصة في منطقة الهول. شاركنا هذه المعلومة مع العديد من الأطراف المعنية في الإقليم و في بغداد. لكنهم قالوا بأن هذه التحشدات هدفها الهجوم على مدينة رميلان و تل كوجر و لا خطر على الطرف العراقي.

انعدام المناعة في العراق

و من الأهمية بمكان القول بأن وضع العراق السياسي كان سيئاً جداً في تلك الفترة و كذلك علاقات إقليم كردستان مع المركز بالاضافة إلى المشاكل الموجودة داخل الإقليم نفسه، و قضية تشكيل الحكومة و قضية نوري المالكي و الاحتجاجات في المدن السنية، كلها كانت كافية لإضعاف المناعة السياسية و العسكرية و الاجتماعية أمام أي هجوم إرهابي كاسح و الذي حدث بالفعل في الأسبوع الثاني من شهر حزيران و تمدد من الموصل الى تكريت و منها نحو الجنوب و الاقتراب من بغداد.

داعش كانت قد تسربت بكل قوة ضمن الاحتقان الطائفي للسنة و تحالفت مع العديد من التوجهات المختلفة و كانت تعبتر نفسهاً جزءاً من حملة إنقاذ السنة و إعادة أمجاد المقبور صدام و الانتقام من الكرد و الشيعة و كذلك السنة المتعاملين مع المركز (الصحوات).

ترسانة الأسلحة الأمريكية و الحسابات الخاطئة

سقوط الموصل و معها سقوط الآلاف المؤلفة من الأسلحة و أطنان الذخيرة و الآليات العسكرية و الأموال و الإمكانيات حولت داعش إلى وحش مسعور يخيف دول المنطقة و خلق القلق لدى الدول الغربية.

بعد سقوط الموصل أدرك الجميع بأن حساباتهم كانت خاطئة (استثني هنا الجهات التي كانت على اضطلاع بخفايا الأمور) و بأن منظومة المنطقة و خاصة الجيش العراقي كان هشاً و ضعيفاً جداً و كافة الأسلحة الغربية والأمريكية التي كانت قد سلمتها للجيش العراقي باتت في يد تنظيم إرهابي توسعي(امبريالي) متوحش.

ناقلات جنود، سيارات هيمفي مدرعة، كاسحات ألغام، مدافع مع عشرات الآلاف من قذائفها، مدافع دوشكا بكافة العيارات، البنادق التي لم تخرج من صناديقها بعد، سيارات، معدات حربية و عسكرية و اجهزة اتصالات متطورة، بالاضافة إلى الملايين من الدورلات التي كانت في البنوك العراقية. كل هذه الغنائم التي تركها الجيش العراقي خلفه و استولى عليها الدواعش كانت بمثابة قوة إنعاش كبيرة جداً لهذه المنظمة الارهابية. كانت داعش سوف تستخدمها فيما بعد ضد الشعب الكردي في روجافا و الإقليم.

انهيار سايكس بيكو

مع سقوط الموصل على يد الإرهابيين الذين دخلوا العراق من سوريا وبالتحالف مع الارهابيين الموجودين في العراق مع بعض الجماعات و العشائر على كلا طرفي الحدود، أعلنت داعش سقوط حدود سايكس بيكو. أنتهى الحدود بين سوريا و العراق مع سقوط الموصل و باتت الطرق مفتوحة بين حاضرتي دولة الأرهاب في الموصل و الرقة. توحدت البقعة الجغرافية (السنية) بين ما كان يسمى سابقاً بسوريا و العراق و باتت تلك الرقعة مسرحاً لما يُسمى بأرض (الخلافة) و التي أعلن فيها داعش في 29 حزيران البغدادي خليفة على الدواعش. و بات شعار (الدولة الاسلامية "داعش" باقية و تتمدد)، أساساً لاستراتيجية التنظيم الارهابي و كان الخطر وشيكاً على الجار الشمالي لهذه الخلافة الدموية.

الطريق إلى شنكال-3

بولات جان


سقوط الموصل و نتائجها كُردستانياً

بعد سقوط الموصل وفرار عشرات الآلاف من الجيش و الشرطة العراقية من مناطق واسعة جداً و دون إطلاق طلقة واحدة أو حتى بدون أن يقترب منها إرهابيو داعش و أخلوا المعسكرات و مقار الجيش و مخازن الذخيرة، سيطرت قوات البيشمركة على كافة هذه المناطق و المقار و الأسلحة و المعدات في تلك المناطق (مناطق المادة 140) بدءاً من شنكال و الربيعة و بعشيقة و وصولاً إلى كركوك و جبال حمرين. و من الاهمية بمكان القول بأن تلك الأسلحة و المعدات و الآليات التي سيطرت عليها قوات البيشمركة أو التي أستولى عليها الأهالي و باعوها فيما بعد كانت تكفي لتسليح جيش كامل. قلتها للكثير من ضباط الجيش العراقي و البيشمركة " لو كنا نمتلك واحد بالمائة من هذه الأسلحة التي تركتها الفرق و الألوية الهاربة لكنا الآن قد وصلنا إلى ديرالزور و حررناها من الدواعش." كل هذه الأسلحة كانت هدية على طبق من ذهب لقوات البيشمركة.


هل الكُرد في العراق أنخدعوا أو خدعوا أنفسهم؟

بعد سيطرة تنظيم داعش الإرهابي و بدعم و احتضان مباشر من العشائر السنية و قادتها (و كانت تسميهم بأنهم ثوار عشائر)، استضافت قناة (كوردية) تابعة لرئيس وزراء الإقليم الناطق الإعلامي باسم الدواعش في الموصل حيث قال ما معناه " ليطمأن الشعب الكردي في كردستان العراق(تحديداً) لأننا لن نهاجمهم و حربنا ضد (الشيعة) و المالكي و ليست لنا عداوة مع حكومة و شعب كردستان العراق". اذا لم أكن مخطأً فهذه كانت المرة الأولى التي تتصل قناة (غير تابعة للدواعش) بأحد قادتها و تذيع تطميناته على الشعب الكردي.

أما على ارض الواقع فكانت الأوضاع مختلفة جداً أو لنكن دقيقين و نقول بأنها كانت مقسمة بين الحزبين الرئيسين في كردستان العراق. داعش و منذ سقوط الموصل حاولت التوجه نحو كركوك و اندلعت اشتباكات في المناطق التي يسيطر عليها قوات بيشمركة (الاتحاد الوطني) في جلولاء و السعدية و خورماتو غيرها من المناطق المتاخمة لكركوك. و كانت سير الاشتباكات ترتفع يوماً بعد آخر بين إرهابيي داعش و قوات بيشمركة (الوطني). و كان الكثير من المتخاصمين مع الاتحاد الوطني يقولون بأن هذه الحرب لا ناقة للكرد فيها و لا جمل و هي حرب نيابة عن المالكي و (الشيعة) و كانوا يتهمون الاتحاد الوطني بأنه يلقي بالكرد و كردستان العراق في التهلكة و تخوض حرب لا يستفيد منها سوى المالكي و الشيعة.

في الجهة المقابلة كانت الجبهة هادئة تماماً بين إرهابيي داعش و قوات البيشمركة في المناطق التابعة لنفوذ (الديمقراطي الكردستاني)، و لم تحدث حوادث جدية بين الطرفين. حتى إن بعض مذيعي و مراسلي بعض القنوات (الكوردية) كانت تقترب من أماكن تمركز الدواعش و تجري معهم اللقاءات الصحافية. كذلك كان الكثير من رؤساء العشائر السنية الداعمة بشكل مباشر أو غير مباشر تعقد مؤتمراتها الصحافية في قلب عاصمة الإقليم. من جانبه كانت الأطراف المتخاصمة مع (الديمقراطي) تتهمها بشتى الاتهامات، منها بأنها تدعم داعش أو العشائر الحاضنة له و بأنه كان على اطلاع كامل على مخطط احتلال الموصل و بأنها أرادت الانتقام من المالكي عن طريق داعش...الخ

الكرد في العراق لم يكن لهم موقف موحد من قضية داعش و سقوط الموصل و كيفية التحصن في المناطق الجديدة التي تم السيطرة عليها. و كذلك كانت هنالك خلافات كبيرة جداً بين حكومة الإقليم و الحكومة المركزية حيث ازدادت اتهامات المركز للإقليم و الإقليم كان يناقش موضوع الاستقلال الكامل و التي أحدثت ضجة كبيرة و تخوفاً أكبر من قِبل دول المنطقة التي لن تتساهل مع مثل هذه الخطوة.


قدمنا استشارات و طالبنا بالتعاون و التنسيق

منذ نهاية عام 2012 و حتى صيف 2014 كنا نخوض حرب و معارك متفرقة و شديدة على عدة جبهات ضد التنظيمات الارهابية و كنا قد تعرفنا بشكل جيد على خططهم و تكتيكاتهم و كيفية خوض الحرب معهم و تحقيق الانتصارات عليهم. لذلك لم نبخل بتقديم المشورة للأصدقاء و الأخوة و خاصة في جبهة كركوك. و شاركنا في العديد من المعارك في شهري حزيران و تموز في تلك المنطقة باسم البيشمركة و كنا على تواصل مباشر مع القيادات. و كذلك حاولنا قد المستطاع خلق جبهة كردية مشتركة لأننا كنا متأكدين بأن الهدنة أو شعر العسل مع الدواعش لن يطول مع الجار الشمالي (للخلافة) و الأيادي الإقليمية سوف تتدخل و لن تترك الكردي تهنون باسترجاع مناطقهم المتنازع عليها و تصريحاتهم حول الاستقلال. كنا نذكر جميع الأخوة بأن تنظيم داعش ألغوا الحدود و لن يلتزم بأي شيء و هو تنظيم توسعي(أمبريالي) و لن تأنى بنفسها عن التهجم على الكرد خاصة و إنهم الأقرب إليه و الأكثرية الساحقة من قادة الدواعش هم من البعثيين الصداميين الشوفينيين المعادين للشعب الكردي جملةً و تفصيلاً. كذلك كنا نذكرهم بالعامل التركي و دورها المشبوه في كل ما يجري و جرى في سوريا و العراق و روجافا.


المؤشرات الأولى

في 25 شهر تموز كنتُ شاهداً على حادثة وكانت كفيلة بأن ندق ناقوس الخطر في روجافا و نبدء بالتحرك السريع. حيث كان الطريق بين شنكال و الربيعة و من ربيعة الى سحيلا(على نهر الدجلة بالقرب من سيمالكا) تحت سيطرة قوات وزارة البيشمركة وقوات زيريفان و قوات الاسناد التابعتين للديمقراطي الكردستان و كذلك كانت شنكال و نواحيها تحت سيطرة الديمقراطي الكردستاني و قوات الحزبية بشكلٍ كامل. في 25 تموز و أثناء توجه سيارة تابعة للبيشمركة من شنكال إلى الربيعة أخطأت الطريق و توجه صوب ناحية عوينات (على طريق ربيعة-موصل) التي كانت تحت سيطرة الدواعش ما أن اقتربت السيارة التي أخطأت الطريق من حاجز للدواعش حتى أطلقوا عليها النار و استشهد خمسة من البيشمركة و بقي أثنين منهم و تمكنوا من الاختباء بين الأشواك و القنوات المنتشرة. الحاجز كان قريباً جداً من الربيعة من الجهة الشرقية بمسافة 500 متر و كان عنصري بيشمركة المختبئين بالقرب من حاجز الدواعش يطلبون الدعم من قيادتهم. كانت أعداد هائلة جداً من البيشمركة متمركزين في ربيعة و حواليها. اجتمعت قيادات قوات البيشمركة و كانت النسور و النجوم تلمع على أكتافهم، اجتمعوا و تناقشوا و تشاوروا و تفرقوا و اجتمعوا مجدداً. تحشدوا بشكل تحولوا معها إلى هدف سهل جداً للدواعش. لم أتمالك نفسي و قلت لأحد الضباط (إن تجمعكم بهذا الشكل و بهذه الاعداد الكبيرة و في هذه المنطقة المفتوحة سوف تحولكم إلى هدف سهل لقذائف الهاون. فأي قذيفة تسقط هنا سوف تودي إلى استشهاد كل هؤلاء العمداء و العقداء و النقباء وووو. اذا أردتم انقاذ رفيقيكم المحاصرين فيكفي أن ترسلوا دبابتين بدعم مدفعي لكي تضربوا الحاجز الذي لم يكن فيها أكثر من عشرة إرهابيين). ذهب الضابط و قالوا لنذهب إلى مقر اللواء 8 في صوامع ربيعة و في النتيجة تم التواصل عن طريق بعض الاشخاص المحليين في الربيعة و تم تسليم جثث الشهداء للحاجز الشرقي الجنوبي لقوات البيشمركة.


في هذه الحادثة أدركت بأن الوضع خطير جداً و لعدة أسباب:

1- الدواعش لا يبعدون عن تل كوجر أكثر من ثلاث كلمترات.

2- هذه الحادثة كانت مؤشراً بأن الدواعش سوف يتمددون نحو ربيعة و نحو الشمال.

3- رغم الأعداد الهائلة من البيشمركة (ألوية عدة و أفواج و سرايا) مدعومة بالدبابات و المدفعية، لكنها لم تكن تمتلك الخبرة الحربية و خاصة في الحرب ضد الارهاب.

4- في حال تقدم الدواعش نحو الحدود فإن الشريط الضيق بين قرية محمودية و حتى سنونى لن تتمكن من الصمود طويلاً و سوف تصبح حدودنا الشرقية مع كردستان العراق تحت سيطرة الدواعش بشكل شبه كامل

5- الكثير من العرب السنة الموجودين في المناطق المتنازعة عليها كانوا منضمين للدواعش و كانوا يخدمون في الموصل و يأتون إلى قراهم بين الحين و الآخر.

6- حتى 25 تموز كان الطريق مفتوحاً بين ربيعة و القرى الأخرى مع الموصل (حاضرة الخلافة الداعشية) و كانت السيارات و المسافرين يتجولون بكل حرية بين المناطق التي يسيطر عليها البيشمركة و مناطق داعش.

حماية روجافا و تحضيراتنا

بعد دراسة هذه الحالة عن كثب نقلتُ مشاهداتي و آرائي للقيادة العامة و أخبرتهم بأن الوضع خطير جداً و بأن الدواعش سوف يحاولون الوصول إلى حدودنا في أية لحظة و بأنه علينا التحرك سريعاً لكي نحمي روجافا. و قلتُ بالحرف الواحد لأحد القادة " في حال شنت داعش هجوماً قوياً على قوات البيشمركة فإنهم لن يتمكنوا من المقاومة طويلاً و سوف يتركون المنطقة و يقفون في سحيلا". قال لي ذلك القائد بأنك تضخم الامر قلتُ له " هذه هي الحقيقة و للأسف الشديد". الوضع كان هشاً جداً في تلك الجبهة (زومار، شنكال، سنونى و ربيعة).

و لن أخفي بأن العشرات من الاخوة من البيشمركة و قادة البيشمركة كانوا يعرفون بالخطر الداهم و كانوا يتواصلون معنا بشكل مباشر أو عن طريق الهاتف و يطلبون منا الدعم و كذلك إفساح المجال لهم للانسحاب الى روجافا في حال تعرضوا لهجوم كبير. كنا نعدهم بأننا سوف نقوم بما نقدر عليه.

كانت الأراضي الكردستانية (المتنازع عليها) التي اكتسبها الكرد في جنوبي بعد سقوط الموصل كانت على أبواب أولى امتحاناتها المصيرية. كان الامتحان العصيب على الأبواب. و كان هنالك خلل واضح جداً في المنظومة الدفاعية و التحضيرات و التحصينات و توزيع القوات.


روجافا

حاولت داعش في الاسبوع الأخير من شهر تموز تكرار تجربة الموصل في الحسكة. كانت هنالك ايادي قذرة و مؤامرة لأجل تسليم الحسكة لداعش و تحويلها إلى نقطة انكسار بالنسبة إلينا. كما كانت هنالك معارك و حصار شديد ضد قواتنا و شعبنا في كوباني بالاضافة إلى المناطق الاخرى من الجزيرة. كانت قواتنا منشغلة بالتصدي للدواعش في مدينة الحسكة و اضطررنا إلى سحب البعض منها و نقلها إلى الشريط الحدودي مع كردستان العراق من جزعة و حتى سيمالكا. كان الشريط الحدودي بأكمله يشكل خطراً علينا من الجانب الشرقي. كان الإرهاب سيأتي من الشرق و يستهدف روجافا و كان علينا التصدي لذلك و أخذ كافة التدابير الموجودة.


شنكال

كانت كانت ضمن المناطق المتنازع عليها و لكنها كانت تقع ضمن نفوذ الديمقراطي الكردستاني و سيطرت عليها قوات بيشمركة الديمقراطي الكردستاني و قوات زيريفان و اللواء الخاص بالأيزيديين بعد سقوط الموصل. الوضع في شنكال كان خطيرا دائماً. الكرد الأيزيديين كانوا ضمن بحر من الناقمين على شنكال لسببين أثنين (كونها منطقة كردية و كون قاطنيها من الأيزيديين). الخطر الداهم كان يحيط بهم طوال الوقت و تتالت الانفجارات و المضايقات التي كانت تحيط بهم بشكلٍ دائم و التي كانت تستهدف وجودهم و تسعى لإبادتهم. كافة الحركات الكردية كانت تتحدث عن قدسية شنكال و بأن "الكرد الأيزيديين هم الكرد الأصليين و هم أصل الكرد" و الكل كان يتحدث بأن " شنكال أمانة في رقابهم". السيد أوجلان نوه لعدة سنوات و بأشكال متتالية إلى حساسية الوضع في شنكال و ضرورة حمايتها بقوة كردستانية جامعة و ضرورة الاتفاق بين كافة القوى الكردستانية على حماية شنكال و مخمور و كركوك. و بعد سقوط الموصل و تحسس الخطر المتربص بشنكال و الكرد الأيزيديين. كان قوات دفاع الشعب قد ارسلوا أثنين من المقاتلين لأجل الاستطلاع و معرفة الوضع و وضع الخطط لأجل حماية شنكال. و تم اعتقالهما من قِبل بيشمركة الديمقراطي الكردستاني بحسب تصريح للسيد قره يلان.


الجزعة

ناحية الجزعة تقع في روجافا (غربي كردستان) في أقصى جنوب منطقة تل كوجر على الحدود مع كردستان العراق و بالتحديد منطقة سنونى التابعة لقضاء شنكال. عندما حررنا ناحية الجزعة من إرهابيي داعش الكثير من (القومويين الكورد) كانوا يعبرون عن غضبهم و استنكارهم لهذه العملية و كانوا يقولون كما كل مرة " ما شأننا بناحية جزعة؟ ماذا نفعل هناك؟ و لماذا تضحون بشبابنا في مناطق لا ناقة لنا فيها و لا جمل". داعش كانت تعيد الهجوم على الجزعة كلما سنحت له الفرصة و كان يحاول استعادتها. كانت المعارك في الجزعة في حالة كرّ و فرّ بشكلٍ دائم و كانت تجري فيها أكثر المعارك شدةً و وحشية في تلك المنطقة النائية. جزعة بالنسبة لنا كانت أهم من المهم و كذلك بالنسبة للدواعش كانت مهمة جداً. و كان الجميع سيتأكدون من الاهمية القصوى لجزعة بعد فترة وجيزة جداً.



الطريق إلى شنكال- 4

بولات جان


ليلة العسل الكردية


نقاشات الدولة الكردية

في شهري حزيران و تموز من عام 2014 كانت هنالك نقاشات حامية الوطيس بين الفرقاء الكرد حول موضوع إعلان الدولة الكردية. كلها كانت حرب كلامية و دعاية فئوية و حزبية لا تقدم ولا تؤخر. طرفٌ كان يزعم بأنه سوف يعلن الدولة خلال أيام واسابيع و كانت تهتم طرفاً أو أطرافاً أخرى بأنهم يعارضون الدولة الكردية و كانت تنعتهم بأنهم " تخلوا عن الحقوق القومية و ابتعدوا عن الوطنية ووووو" و للطرف الآخر كانت حججه و مبرراته و مواقفهم. لكن كل مواقف الفرقاء كانت تدور في حلقة نقاش بيزنطي عقيم. لأننا كنا أمام أمتحان حماية كردستان الموجودة بين أيدينا و ليس " بيع الوطنيات" و " العزف على أوتار العواطف".

تاريخنا مليء بالمآسي و الآلام و الانقسام و التشتت و التفرقة و النقاشات العقيمة و التخوين و الخيانة و التخلي... و كذلك تاريخنا مليء بأنهار الدماء التي سُكبت على محراب الحرية و الاستقلال و الكرامة و استعادة الحقوق المسلوبة و الكرامة المهدورة و الدم المُسال على دروب التاريخ الوعرة. كانت أمامنا فرصة تاريخية رائعة للانتصار و الاتحاد و العلياء... و كذلك كانت المخاطر ترافق هذه الفرصة، مخاطر الابادة و المجازر و التطهير القومي. التاريخ لن يرحم من يخطأ و الأجيال القادمة ستنعتنا بـ" الجبل الفاشل الذي أطار الفرصة من يديه" أو سينعتنا بـ " الجيل الرائع الذي أسس للحرية و الاستقلال و رفع أسم أمتنا بين الأمم". كانت أمامنا مهمة، أمام كل الكرد في كافة الأجزاء ألا وهو حماية باشور و روجافا. الوقت كان وقت العمل و الاندفاع و الحسم و الحزم و ليس وقت " إما أنا أو أنت".


خطاب العيد السعيد

في الأيام الثلاث الاخيرة من شهر تموز سنة 2014 كنا نعيش أيام عيد رمضان المبارك و نحنُ الكرد في ساحات القتال من عفرين إلى خانقين. في زيارة له إلى قوات البيشمركة قال السيد مسعود البارزاني مطالباً البيشمركة " بأن يقوموا بحماية أخوتهم في غرب كردستان، كما يقومون الآن بحماية شعب اقليم كردستان". لكن الواقع كان مغايراً تماماً و بعد يومين فقط كانت الحقيقة سوف تظهر بكل جلاء.

كتبت في أول يوم من شهر آب ما يلي و نشرتها كافة وسائل الإعلام " نحنُ مستعدون للدفاع عن شعبنا الكردي في الجنوب كما في روجافا. مستعدون لخوض المعركة ضد داعش مع أخوتنا في الجنوب و تطهير كردستان من رجسهم." و كنتُ أعي ما أقوله و لم يمضي يوم واحد و إلا و ككل مرة طبقنا القول فعلاً.


دعوات المساعدة

كانت الرسائل تتوالى على قيادتنا من الكثير من الاخوة البيشمركة و كذلك من الأخوة الكرد الأيزيديين في شنكال و في باقي دول العالم لكي نتدخل سريعاً لحماية الكرد في شنكال. كان الخطر يقترب منهم سريعاً. خاصة و إن الآلاف المؤلفة من العرب و التركمان الشيعة و المسيحيين كانوا قد هربوا من تلعفر و تلكيف و الأقضية المحيطة إلى شنكال. شنكال كانت تتحول إلى مجمع لكل (أعداء داعش دينياً و طائفياً و قومياً). و كان صلة الوصل الوحيدة بين قضاء شنكال و محافظة دهوك هو الطريق العام بين شنكال- سنونى- ربيعة – سحيلا. الشعب كان يعيش الفزع و كذلك كانت الحرب النفسية قد فعلت فعلها في نفوس المقاتلين و خاصة مع توجه الدواعش نحو سد الموصل و مقر الفرقة في قرية كسك و الانتشار الكبير في عوينات و القرى الواقعة شرقي طريق ربيعة- سحيلا.


لا بدّ من فعل شيء

وصلت القيادة العامة لوحدات حماية الشعب إلى ضرورة القيام بعمل سريع و التنسيق مع الاخوة البيشمركة لحماية باشور و روجافا. و بناء على ذلك أرسلنا قوات إضافية إلى الخط الحدودي من جزعة إلى قرية الوليد و كذلك قمنا بتقوية التحصينات الموجودة في المخافر الحدودية داخل الاراضي العراقية التي كنا نحميها منذ سقوط الموصل. و كذلك بدأت قواتنا بالاستطلاع و تحسس الطريق نحو جبل شنكال الذي كان يتراءى لنا من على الحدود.

في يوم 2 آب في تمام الساعة الواحدة ظهراً توجه وفد من القيادة الميدانية لوحدات حماية الشعب الى الطرف الشرقي من ربيعة حيث اجتمع بالقيادة الميدانية لقوات البيشمركة في مقر اللواء الثامن التابع لوزارة البيشمركة. النقاشات لم تستمر طويلاً. لم يكن هنالك طائل من النقاشات و المبازرات الكلامية. كان يجب فعل شيء؛ قادة البيشمركة كانوا ينتظرون هذه الخطوة لكي نفعل شيء. كان يجب الوصول إلى خطوات عملية و تطبيقها فوراً على أرض الواقع دون تأجيل أو مماطلة أو تأخر ولو ثانية واحدة. خاصة و إن قذائف داعش كانت قد بدأت بالانهمار على ربيعة و كافة الشريط الحدودي. و كان شريان حياة و نجاة شنكال في خطر. كان الطريق الوحيد السالك من و إلى شنكال في خطر السقوط تحت سيطرة الدواعش. و كانت الكثير من العائلات تخرج من شنكال و تمر من ربيعة نحو زاخو أو دهوك.


الاتفاق و هدم الحدود

خلال اجتماع قصير و عملي وصلنا إلى الاتفاق على عبور قوات من وحدات حماية الشعب الى كافة الشريط الحدودي و المناطق المحيطة و الانتشار من قوات البيشمركة في كافة الخنادق و الجبهات الأمامية و التصدي سوياً للدواعش. أنتهى الاجتماع سريعاً و كل طرف اتصل مع قيادته و أبلغوهم بالاتفاق المرحب به و بضرورة القيام بالتنفيذ فوراً.

كانت قوات البيشمركة قد وضعوا كتل اسمنتية ثقيلة جداً على طريق بوابة ربيعة- تل كوجر لكي تمنعنا من الانتقال الى طرفهم منذ سقوط الموصل. و بعد الاتفاق و لأجل عبور قواتنا و سياراتنا إلى الطرف الشرقي من ربيعة كان يجب إزاحة و إزالة تلك الكتل اللعينة التي كانت تفصل بين الأخوة. الخطر الداهم كان كفيلاً بإزالة الحدود، حدود سايكس بيكو اللعينة و التي كانت الدواعش قد سبقونا في إزالتها منذ خمسين يوماً مضى. سائق الجرافة (البلدوزر) كان قد أختفى و لم نجد آلية مناسبة تساعدنا في إزاحة الكتل الاسمنتية الثقيلة. حينها بادرنا مع ضباط البيشمركة الى ربط تلك الكتل خلف السيارات و سحبها. و ما إن انفتح الطريق حتى بدأت سياراتنا و قواتنا بالعبور و التوجه نحو الخط الامامي الأول في أقصى شرق و جنوب ربيعة.


التقاء الأخوة

كانت فرحة البيشمركة كبيرة جداً بعبور وحدات حماية الشعب الى الطرف الآخر و الانتشار بينهم و من ثم التمركز في السواتر و نشر المدافع و القناصات في الأماكن المطلوبة. و كذلك قمنا مع قادة البيشمركة بالتجول على قوات البيشمركة جميعاً و الحديث معهم و إعطائهم التوجيهات المطلوبة و إعادة انتشارهم بالشكل المناسب بحيث لا يصبحوا هدفاً سهلاً للقناصات و قذائف المدفعية و يمكنهم تشكيل خط مناسب يحمي كل حلقة الحلقة الأخرى. كانت وحدات حماية الشعب و حماية المرأة قد جاؤوا للتو من معارك طاحنة في الحسكة و كانت التجارب قد أنضجتهم و صقلتهم جيداً. انتشارهم بين قوات البيشمركة و روحهم المعنوية العالية و ثقتهم بذاتهم و تقدم القادة على رأس قواتهم كانت سبباً قوياً لرفع معنويات الأخوة البيشمركة حيث الأكثرية الساحقة منهم لم يكونوا قد خاضوا أية حرب حقيقية في حياتهم كلها. كانت هذه هي حربهم الأولى. فقط الجنود يعرفون معنى الحرب الأولى و يعرفون جيداً تلك المشاعر و الأحاسيس المتضاربة التي تعصف بروح و كيان الانسان في تلك اللحظات في حياة الجندي-الانسان.


روح الوحدة

كانت هذه هي المرة الأولى في حياة الأمة الكردية المعاصرة التي تتعانق الهامات سوياً في مواجهة خطر يداهم الجميع. كنت ترى في تلك اللوحة المسائية و على خط النار روح الأخوة الكردية التي طالما حلمنا بها. كنت ترى المرأة الروجافيية البطلة و بالقرب منها بيشمركة من السليمانية و على يمينهم بيشمركة من دهوك و آخر من رانيا و آخر من كوباني و آخر من عفرين و آخر كريلا سابق من ماردين و آخر ضابط من بيشمركة و معه قيادي من ي ب ك.


نداءات الاستغاثة

الاوضاع في العديد من الجبهات كانت تسوء، و كانت الكثير من الرسائل تصلنا لكي نرسل القوات الى مؤازرة تلك الجبهات و خاصة في غربي زومار و عليوك و سنونى و مشيرفة. في ليلة الثاني من آب اخترقت قوات داعش العديد من خطوط البيشمركة في جبهة زومار و عليوك و محمودية، و التي تراجعت و بعد التواصل معنا ساعدناهم و فتحنا لهم الطريق و انتقلوا إلى طرف روجافا، و أرسلنا قواتنا إلى النقاط التي أفرغوها و خاصة القريبة نوعاً ما عن الحدود.

كانت تلك الليلة عصيبة و كنا نسعى إلى تلبية نداءات المساعدة على طول خطوط الجبهة الطويلة و الأخبار القادمة من زومار و شنكال كانت سيئة جداً. كانت شنكال تستغيث و كان الشريان الوحيد للنجاة أو الإمداد في خطر و كانت داعش قد احتلت عدة قرى على أطراف قضاء شنكال.

شنكال كانت في خطر و أي خطر. القيادة العامة اوعزت إلى بعض الوحدات الحدودية في جبهة جزعة الشرقية بالانتقال الى الجاهزية القصوى و التحضير لأية أوامر جديدة للتدخل في كل لحظة.


5

أصعب يوم في التاريخ

في صباح يوم 3 آب أجرينا نقاشاً سريعاً جداً عن الوضع الحساس. حيث كانت الرسائل تتوالى على القيادة العامة و على الإداريين في روجافا و كذلك الكثير من الرسائل من قوات البيشمركة و من إداريي باشور. شنكال كانت في خطر. عقدت القيادة العامة اجتماعاً لم يستمر أكثر من خمسة دقائق لإحدى الكتائب و كلفتها بمهمة التوجه نحو شنكال في أسرع وقتٍ ممكن. و بدون هدر دقيقة واحدة انطلقت الكتيبة و تم استدعاء كتيبة أخرى و كان فيها عدد من الشباب الكرد الأيزيديين المتطوعين ضمن وحدات حماية الشعب و كانت مهمتهم أيضاً مؤازرة الكتيبة الأولى التي توجهت إلى شنكال عن طريق بلدة الجزعة.

أثناء ذلك وصلت كتائب أخرى من سريكانيه و قامشلو و ديريك و الحسكة لأجل مؤازرة القوات الموجودة ضمن أراضي جنوبي كردستان. بعد النقاش عدنا إلى الدوار الرئيسي في شرقي ربيعة حيث الطريق الوحيد الذي كان سالكاً بين ربيعة و سنونى و منها إلى شنكال. و كنا نعمل قدر المستطاع على منع داعش من التقدم نحوها. حيث كانت الاشتباكات شديدة جداً على طول خط الجبهة. و كوننا كنا على الطريق العام بين ربيعة و سنونى لاحظنا كثافة التحركات الانعكاسية للكثير من قوات البيشمركة التي كانت تأتي من طرف سنونى و شنكال و تدخل الربيعة و منها تتجه نحو الشمال. نحنُ لم نكن على اضطلاع تام بماهية هذه التحركات. لكن مع زيادة أعداد المدنيين الذين كانوا يأتون من طرف شنكال بشكل عشوائي و هم فزعين و قلقين و يسرعون نحو الشمال هرباً من المعارك التي كانت قد بدأت بالزحف ضمن القرى الإيزيدية.

حتى الساعة الحادية عشرة قبل الظهر كانت الكثير من نقاط البيشمركة على طريق سنونى ربيعة قد تم إخلائها و انسحبت نحو ربيعة. كانت تنسحب من تلك النقاط التي تحمي الطريق أو الشريان الوحيد بين كردستان و قضاء شنكال وكانت قذائف الهاون و رشاشات الدوشكا بدأت باستهداف السيارات العابرة على الطريق لأجل النجاة.


اشتباكات على طريق شنكال

كتيبة من وحدات حماية الشعب التي كانت قد توجهت صباحاً نحو شنكال عبر الطرق الفرعية تفاجأت بسيطرة داعش على قسم كبير من الطريق و اندلعت اشتباكات عنيفة بين الكتيبة و داعش استدعت من القيادة العامة الإسراع في إرسال قوات إضافية لمساعدة تلك الكتيبة. الهدف الأساسي لقواتنا كان الوصول إلى شنكال و الهدف الأساسي لداعش كان قطع الطريق علينا. الاشتباكات العنيفة و عدم معرفة قواتنا بتفاصيل الطريق و المنطقة تسببت في تأخر الوصول إلى شنكال.

اجتماعات في ربيعة

كنا في اشتباكات عنيفة في الربيعة و كنا نشهد نزوحاً للأهالي من شنكال و انسحاباً متزايداً للبيشمركة بشكل عشوائي يدعو للقلق. أثناء ذلك اجتمع قادة البيشمركة في مقر اللواء 8 في الصوامع. بعد الاجتماع لاحظنا بأن الكثير من الفصائل و السرايا بدأت بترك مواقعها و التوجه نحو الصوامع داخل الربيعة. و لم تمر ساعة حتى لم يبقى إلا عدد قليل من البيشمركة في الخط الامامي للجبهة و سحبوا معهم رشاشات الدوشكا و منصات المدفعية التي كنا أحوج ما نكون إليها.

أثناء ذلك كانت مجموعات من داعش قد بدأت بالتحرك داخل مدينة الربيعة. حيث كانت النيران تأتينا من الجهة الشرقية (جهة عوينات) و من الجهة الشمالية الغربية (من داخل الربيعة) حينها أدركنا بأن الخلايا النائمة لداعش ضمن ربيعة قد بدأت بالتحرك.


لم يبقى أمامهم سوى روجافا

عندما انقطع الطريق بين ربيعة و سحيلا في عدة قرى مثل القاهرة و السعودية و محمودية و اقتراب داعش من قرية بوهار فتحنا الطريق أمام الكرد الإيزيديين و كذلك التركمان و العرب المحتشدين في ربيعة و مررناهم إلى روجافا و أبعدناهم عن الجبهة.

بعد نقاشات مع قادة البيشمركة تأكدنا بأنهم لن يبقوا هنا و سوف ينسحبون و من الأفضل أن نؤمن لهم طريقاً من خلال روجافا بناءاً على طلبهم بعد قبول القيادة العامة أخبرنا ضباط البيشمركة أكبر رتبة ضمن قوات البيشمركة المتجمع في ربيعة بإننا سوف ندخلهم إلى روجافا. في تمام الساعة الثالثة و الربع كانوا قد اجتازوا البوابة الحدودية و دخلوا إلى روجافا. لم يبقى سوى عدد من مقاتلي البيشمركة(من الفوج الرابع- اللواء الثامن و الذين انسحبوا في اليوم التالي). ذلك أصيب عدد من مقاتلينا و مقاتلي البيشمركة الذين بقوا في الجبهة الأمامية حيث أسعفناهم إلى مشفى ديريك.


سيطرة داعش على الطريق

مع انسحاب كافة قوات البيشمركة من المنطقة الواقعة بين محمودية و ربيعة و مشيرفة و شعلان و سنونى و كورسى و منها الى جبل شنكال و جنوب الجبل و مركز قضاء شنكال، بذلك كان الشعب الكردي الإيزيدي و التركمان الشيعة و العرب الشيعة و المسيحيين في تلك المنطقة قد بقوا لوحدهم وجهاً لوجه مع إرهاب داعش. لم يبقى أمام الشعب أي طريق للنجاة و الوصول إلى ربيعة أو إلى روجافا أو إلى أي مكان آخر.


انسحاب البيشمركة من شنكال

بعد الظهر من يوم 3 آب عرفنا الحقيقة الصادمة بأن قوات البيشمركة قد تركت شنكال. البعض منهم كانوا قد انسحبوا عن طريق سنونى- ربيعة و بعد أن انقطع هذا الطريق لم يبقى أمامهم سوى طريق روجافا (الجزعة). أحد قادة قوات البيشمركة في شنكال كان على صلة قرابة مع أحد قادة كتائبنا و كان قد تواصل معه لكي ينسق مع وحداتنا لمساعدتهم في فتح الطريق لهم كي يتوجهوا إلى روجافا. قبيل المساء كانت قواتنا قد وصلت إلى شنكال و للحفاظ على الطريق سالكاً فقد تم ارسال الكثير من القوات للحفاظ على ذلك الممر الذي كان بعرض ضيق و بطول خمسين كيلومتراً. قوات البيشمركة المنسحبة من شنكال عبرت من خلال هذا الممر و برفقة فصيلة من مقاتلينا ووصلت إلى روجافا في منطقة الجزعة و من هناك تم إيصالهم إلى تل كوجر. في تمام الساعة السادسة و النصف من يوم 3 آب كان أكثر من ثمانية آلاف مقاتل من البيشمركة و قوات زيريفاني قد تحشدت في الجهة الشمالية الغربية من تل كوجر و طلبت منا القيادة العامة للتواصل معهم.

التقينا بهم و قالوا بأن هنالك أوامر صارمة لهم بالانسحاب و الوصول إلى منطقة سحيلا عن طريق روجافا. مع التركيز بأنه لا يمكنهم التأخر أبداً و يجب أن يصلوا الليلة إلى سحيلا.

أثناء انسحاب البيشمركة من شنكال رفض العديد من الشباب الكرد الإيزيديين الانسحاب و لم يتركوا أهلهم تحت رحمة سكاكين أيتام المقبور صدام و بن لادن. هؤلاء الشباب لم يكن معهم سوى أسلحتهم الفردية. و كذلك أثناء عبور قوات البيشمركة المنسحبة من شنكال إلى روجافا التحق عدد منهم بقواتنا على شرط أن نساعدهم و نسلحهم و نعيدهم إلى شنكال.


ردم الخندق

عندما وصلت قوات البيشمركة إلى قرية كربالات لكي تجتاز الحدود إلى قرية سحيلا كان الخندق يقف حائلاً دون ذلك. هذا الخندق هو نفسه الخندق الذي حفرته حكومة إقليم كردستان العراق " لأجل حماية الإقليم من الإرهاب القادم من سوريا و روجافا"، لكنه هذه المرة كان يعرقل مرور البيشمركة من روجافا إلى باشور. اضطرت قوات البيشمركة إلى ردم الخندق باياديهم بعد ساعات طويلة من العمل عبروا إلى باشور. و بهذا الشكل لم يبقى أحد من قوات البيشمركة في كامل الجبهة من قرية الوليد حتى مدينة شنكال. لم يكن قد بقي فيها أحد سوى وحدات حماية الشعب و حماية المرأة و بعض الشباب الإيزيديين الذين رفضوا الانسحاب و عدد من رجال الإيزيديين الذين بقوا لحماية مزار شرف الدين.

الهجمات كانت وحشية جداً على كافة الجبهات، و كانت أمواج الإرهابيين تتلاطم قادمة من الجهة الشرقية و تسعى للوصول إلى الشريط الحدودي. و كانت الاشتباكات على أشدها. قتلنا منهم الكثير و منعناهم من التقدم و كان همنا الأوحد هو عدم السماح لهم بالوصول إلى الحدود و كذلك عدم قطعهم للطريق الوحيد الذي فتحناه في برية جزعة مع شنكال. و في تلك الليلة العصيبة كانت العائلات المسكينة المتروكة لقدرها تحاول الوصول إلى جبل شنكال و البعض كان يلاقي نفسه بين أيدي الإرهابيين الذين كانوا يقتلون الأطفال و الشيوخ و النساء و ينهبون البيوت و كل شيء و يسوقون العذارى الكرد إلى السبي و العبودية. كانت المأساة و التراجيدية الأليمة. كان الشعب الكردي الإيزيدي بين أنياب داعش و ليس لهم سوى ملك طاووس و مقاتلينا الذين وصلوا إلى شنكال و بدءوا في محاولة إنقاذ ما يمكنهم إنقاذه من الناجيين و كذلك منع الإرهابيين من الوصول إلى الجبل.


الجبل المقدس

لم يكن أمام الكرد الإيزيديين العزل سوى الجبل. هذا الجبل الأجرد القاسي الصخري. هذا الجبل الذي ليس فيه نبع ماء و لا بئر و لا شجرة، هذا الجبل الذي بالنسبة لهم سفينة النجاة الأولى من الموت و الذبح و السبي و النهب و القتل... و كان يجب أن تحافظ قواتنا على الجبل... على ممرات الجبل من الطرف الشمالي (قرية كوهبل و كورسي) و كذلك من الطرف الجنوبي (المشارف الشمالية للمدينة). لو كانت هنالك تدابير و أسلحة و توعية للشعب الكردي الإيزيدي لكان بمقدوره الدفاع عن نفسه و حماية النساء و الأطفال و الشيوخ و التصدي للإرهابيين. لكن لا أسلحة ثقيلة و لا متوسطة و لا قوات محلية كافية و لا تدريب و وعي في الدفاع و الحماية الذاتية.


المصدر هنا